القيم، المبادئ، الأخلاقيات، والمعتقدات- دليل المنظمة نحو الوضوح والنجاح.

المؤلف: سامي الدجوي09.02.2025
القيم، المبادئ، الأخلاقيات، والمعتقدات- دليل المنظمة نحو الوضوح والنجاح.

في إطار سعيها الدؤوب نحو التميز والريادة، قامت مؤسسة راسخة بتشكيل لجنة متخصصة، منوط بها دراسة التحديات المعقدة التي تواجهها المؤسسة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتتألف هذه اللجنة من نخبة منتقاة من الكفاءات المتميزة، يمثلون إدارات متنوعة. وفي غضون أحد اجتماعات اللجنة الدورية، دار نقاش مستفيض حول سلوك مشين وغير مقبول، بدر من أحد العاملين في المؤسسة. واقترح أحد الأعضاء الموقرين إضافة "فضيلة" جديدة إلى مدونة القيم المؤسسية، على أن تكون هذه الفضيلة بمثابة علاج شافٍ لهذا النمط السلوكي السلبي وأن يتم تضمينها في صلب الخطة الاستراتيجية، بهدف ردع أي تكرار لهذا السلوك المشين. ورغم الدعم الذي لقيه هذا الاقتراح من غالبية الحاضرين، فقد أوضحت بجلاء وجود لبس واشتباه في المفاهيم والمصطلحات المستخدمة، مؤكدةً أن المصطلح الأدق والأكثر ملاءمة هو إضافة "مبدأ" بدلاً من "قيمة"، وذلك لوجود اختلافات جوهرية ودقيقة بين هذين المفهومين المتداخلين. في هذه المقالة، سنسبر أغوار المفاهيم المتشابهة التي غالباً ما يسود فيها الالتباس والغموض في المؤسسات والمنظمات، على غرار: القيم والمبادئ والقيم الأخلاقية والمعتقدات، وذلك من منظور علم الإدارة الحديث، مع تسليط الضوء على الفروق الدقيقة والأساسية بين القيم والمبادئ، وتحديد الموضع الأمثل لكل منهما ضمن الهيكل التنظيمي للمؤسسة.

القيم (Values) هي تلك القناعات والمعتقدات الراسخة والثابتة التي يعتنقها الفرد أو الجماعة ويحرص على تقديرها والتمسك بها، مثل الإيمان بأهمية التعليم المستمر والتطوير الذاتي. أما المبادئ (Principles) فهي تمثل القواعد والقوانين الضابطة المستنبطة من هذه القيم السامية، والتي تحدد بدقة السلوكيات المرغوبة والمطلوبة في مختلف المواقف والظروف، مثل التحلي بالشجاعة والإقدام في التعبير عن الرأي والدفاع عنه. وتتجلى الفروق الجوهرية بين القيم والمبادئ في ثلاثة محاور رئيسية، هي: 1) تحدد القيم ما الذي نعتبره ذا قيمة وأهمية، بينما ترسم المبادئ الطريق الذي يجب أن نسلكه وكيف يجب أن نتصرف. 2) تحدد القيم أولوياتنا الأساسية وما يهمنا بحق، بينما تبين المبادئ الصواب الذي يجب علينا اتباعه والتمسك به. 3) المبادئ أكثر ثباتاً ورسوخاً وموضوعية وعمومية من القيم، فهي أقل مرونة وأكثر تحديداً في توجيه السلوك في المواقف المختلفة، مثل مبدأ عدم إلحاق الأذى بالآخرين، ومعاملة الآخرين بالطريقة التي تحب أن تُعامل بها. وفيما يتعلق بموضع استخدام كل منهما، فإن القيم تتضمن عادة في الخطة الاستراتيجية للمنظمة، بينما يتم توثيق المبادئ في دليل السلوك الأخلاقي (Code of Ethics).

تشكل الأخلاقيات (Ethics) الإطار الشامل والجامع لمجموعة القواعد والضوابط التي تحكم سلوك الأفراد والمنظمات، إذ تشتمل في جوهرها على القيم والمبادئ على حد سواء. أما المعتقدات (Beliefs) فهي القناعات الداخلية العميقة للفرد والتي تنبثق منها القيم، وقد تتطور هذه المعتقدات لتصبح مبادئ راسخة وثابتة حين تتحول إلى معايير سلوكية ثابتة لا تحيد عنها. وعلى الرغم من وضوح هذه الفوارق والاختلافات من الناحية النظرية، إلا أن الخلط بينها أمر شائع ومألوف في بيئة العمل، مما يؤدي إلى حالة من الغموض وعدم الفهم الكامل لكيفية تطبيقها داخل المؤسسات. لذا، فقد أصبح من الضروري الاستعانة بخبراء متخصصين في هذا المجال لتوضيح هذه المفاهيم وفصل الاختلافات الدقيقة بينها بوضوح وفاعلية.

دعونا نتأمل معاً، أيها القارئ الكريم وأيتها القارئة الفاضلة، المشهد الافتتاحي لهذه المقالة: الاجتماع الذي عُقد لمناقشة التصرف غير الأخلاقي الذي ارتكبه أحد الموظفين. تكشف هذه الواقعة عن مدى حرص المؤسسة المرموقة على رصد أية تجاوزات أو مخالفات ومعالجتها بشكل فوري وسريع، وذلك بهدف الحفاظ على بيئة عمل صحية وسليمة ومنع تكرارها. والأمر الثاني الجدير بالملاحظة، هو أن قيام المنظمة بتشكيل لجنة دائمة ومستمرة لمعالجة مختلف التحديات، يدل دلالة واضحة على التزام قيادتها بأدق التفاصيل وحرصها على سرعة الاستجابة للمشكلات والأزمات الطارئة. وأخيراً، فإن اختيار مصطلح "تصرف" بدلاً من مصطلح "سلوك" كان اختياراً دقيقاً وموفقاً، فالتصرف هو فعل فردي عارض أو مؤقت يظهر في موقف معين أو ظرف محدد، مثل تصرف البائع بفظاظة مع أحد الزبائن في هذا اليوم. بينما السلوك هو نمط متكرر وثابت يتشكل من التفاعلات والعادات والميول الشخصية، مثل التزام الموظف بروح التعاون والإيثار في مختلف المواقف والظروف.

وخلاصة لما سبق، يؤكد هذا المقال على ضرورة انتقاء المصطلحات المناسبة ووضعها في سياقها الصحيح لضمان معالجة المشكلات بفعالية وكفاءة، إذ إن استخدام مصطلحات غير دقيقة أو غير مناسبة قد يؤدي إلى عرقلة إيجاد الحلول المناسبة. وأخيراً، فإنه يصعب على المنظمات والمؤسسات حل المشكلات بشكل فعال ومثمر دون إجراء تشخيص علمي دقيق وشامل لمختلف جوانب المشكلة. لذا، يجب على مؤسساتنا ومنظماتنا الاستفادة من الخبرات والكفاءات الوطنية المتخصصة في مختلف المجالات، ليتمكنوا من تجاوز التحديات التي قد تواجه مبادراتنا الوطنية والعالمية بكفاءة واقتدار. فبدقة المصطلحات والمعرفة الصحيحة لموضع استخدامها، ينضج وعي الموظف وتتقوى مؤسساتنا وتزدهر، فينضج مجتمع بأكمله يحقق نهضة المملكة العربية السعودية برؤية علمية رصينة واحترافية عالية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة